المنامة في 27 نوفمبر/ بنا / بعد فوز مملكة البحرين برئاسة “المنظمة الدولية للفن الشعبي (IOV)” ممثلة بالشاعر علي عبد الله خليفة، في الفترة (2017 – 2020)، إلى جانب اعتماد المنامة، مقرًا رئاسيًا لها، التقت وكالة أنباء البحرين “بنا” برئيس المنظمة الشاعر علي عبدالله خليفة، لتسأله ماذا بعد هذا الانجاز، وما المختلف من حيث الرؤى والاستراتيجيات والمشاريع والأفكار التي سيضعها رئيس المنظمة، خصوصا وإنها تضع أسم مملكة البحرين في مقدمة اشتغالاتها. فكان معه هذا اللقاء.
س: في البدء علينا أن نهنئكم بهذا الانجاز الذي تحقق، وهو فوز مملكة البحرين برئاسة “المنظمة الدولية للفن الشعبي IOV” ليكون السؤال: من أين جاء لك هذا الاهتمام بالتراث الشعبي وكيف انغمست فيه إلى هذا الحد، الذي قادك لرئاسة هذه المنظمة ؟
ج: جذور هذا الاهتمام خلقت معي وعززها البيت والحي والمدينة التي صهرتني، وعشق ما في الحياة فطري يولد مع الإنسان وتصنعه البيئة وظروف التنشئة ويطوره المزاج الشخصي والاهتمام المكثف . خَـدَمَتْ هذا الاهتمام لدي فرص عديدة قد لا تتاح بسهولة لأي إنسان فقد سحرتني فنون الغناء الشعبي ونصوصها الشعرية منذ الصغر، وعندما كنت طالبا بالثانوية رافقت البروفيسور بول أولسن العالم الدنماركي المتخصص في علم موسيقى الشعوب كدليل محلي لزيارة الدور الشعبية وفرق الفنون الشعبية الغنائية في المحرق ومن ثم تواصلت مع هذا العالم الجليل عبر البريد بلغتي الإنجليزية البسيطة وقتها للرد على أسئلته الدقيقة حول النصوص الشعرية الغنائية وبعض المسميات التي دونها ونشرها في كتاب مهم ترجم إلى العربية.
ومن بعدها عند أوائل السبعينيات رافقت البروفيسور سيمون جارجي رئيس قسم الدراسات العربية والإسلامية بجامعة جنيف في جولاته المحلية للتعرف على الفنون الشعبية الغنائية في البحرين والتي سجلها على أربعة أشرطة وثائقية أصدرها المتحف السويسري مع دراسة تعريفية بعد ذلك. توطدت علاقتي بهاتين الشخصيتين وتعلمت منهما مبكرا أصول الجمع الميداني لمواد التراث الشعبي وظلت هذه العلاقة وطيدة إلى أن توفاهما الله. وقد ظل لدي هذا الاهتمام حيا نميته بالقراءة لكتب خبراء التراث الشعبي العربي أمثال عبد الحميد يونس وفوزي العنتيل وأحمد مرسي ومحمد الجوهري ومحمد رجب النجار ونبيلة إبراهيم وغيرهم. ولقد وجدت أن ما زرعته الحياة بوجداني منذ الصغر واستولى على كياني من فنون ومعارف وما يعنى بدراسته الآخرون ويسافرون إليه من بلد إلى آخر هو في بلادي وفي بلدان الجوار كم مهمل يتبدد كل يوم لذلك نذرت نفسي للاهتمام به والعناية بجمعه وتوثيقه ودراسته ونقل ما يصلح منه قدر الإمكان إلى أجيالنا القادمة وأول بحث ميداني قمت به في البحرين والخليج خلال الأعوام 71 – 1973 هو جمع نصوص الموال في البحرين والخليج العربي بدعم من وزارة العمل والشئون الاجتماعية البحرينية وقتها على يد الدكتور محمد الخزاعي. ومن ثقافة البحرين الشعبية التي هي رافد صغير من ثقافة الخليج والجزيرة العربية التي بدورها رافد من روافد الثقافة العربية الأم نما لدي الوعي بأن الكل الإنساني متصل ومتواصل رغم اختلاف وتنوع التفاصيل. منذ البداية كنت أعتبر البحرين هي محور الكون فإذا الكون بأكمله هو البحرين.
س: منذ متى كان ارتباطكم بالمنظمة الدولية للفن الشعبي ؟
ج: على النطاق العالمي هناك منظمتان دوليتان تعملان في ميدان الفنون الشعبية وتنضويان تحت مظلة اليونسكو كمنظمتين غير حكوميتين وهما IOV و CIOF ولكل من المنظمتين اختصاص وتمايز، فالأولى تختص بميادين الفنون الشعبية بصفة عامة وأقصد بها الفنون الاحتفالية والحرف والصناعات التقليدية والعادات والمعتقدات والتقاليد الشعبية والموسيقى والحكايات والأمثال والأشعار، فيما تختص الثانية فقط بمجال المهرجانات الاحتفالية التي تقدم بها الرقصات الشعبية وتشارك بها فرق الفنون الشعبية العالمية. هذا يعني أن المنظمة الدولية للفن الشعبي تعنى بكل جوانب التراث الشعبي بشقيه المادي وغير المادي وتنحو نحو الدراسات والبحوث المعمقة إلى جانب مهرجانات الفنون الشعبية الموسيقية الراقصة ومعارض الحرف التقليدية وتشارك بها الدول والفرق والأفراد.
لقد ترافق تأسيس المنظمة الدولية للفن الشعبي IOV مع طرحي عام 1979 لفكرة توحيد جهود الدول الخليجية لجمع وتدوين التراث الشعبي لمنطقة الخليج والجزيرة العربية وتأسيس مركز علمي متخصص، كنت وقتها بدولة قطر أتولى تأسيس قسم الدراسات والبحوث بإدارة الثقافة والفنون بدعم من وزير الإعلام القطري وقتها الدكتور عيسى بن غانم الكواري والأديب السوداني الطيب صالح الذي يتولى وقتها الإشراف على وزارة الإعلام القطرية. وقتها كان يعقد بصفة دورية مؤتمر وزراء الإعلام لدول الخليج العربية المؤلف من دول الخليج الست بالإضافة إلى العراق لما كان العراق عراقا.
وقد رافق طرح فكرة تأسيس المركز إعلام خليجي غير عادي تلقفه العالم بشغف وصل به الحد إلى أن متحف سميثسونيان الأميركي العتيد تقدم بطلب المشاركة في أعمال جمع مواد التراث الشعبي واستعداده إلى إرسال فريق من عشرين عالما متخصصا للمشاركة، مما يعني أن الحلم الذي طرحته على دول الخليج كفكرة لتأسيس مركز متخصص لجمع وتدوين التراث الشعبي تداولتها باهتمام صحف ووكالات أنباء العالم كحدث غير عادي. وقتها كانت المنظمة الدولية للفن الشعبي IOV تعقد أولى جلسات التأسيس فتلقيت شخصيا دعوة من مؤسس المنظمة النمساوي الراحل ألكسندر فايجل للمشاركة ضمن فريق أوروبي في تأسيس منظمة دولية للفن الشعبي ستساعد فكرتي الخليجية وتوسع في مجالها . حقيقة فرحت بالدعوة وبفكرة توسيع نطاق جمع وتدوين مواد التراث الشعبي وبالفعل شاركت في الاجتماع الثاني أو الثالث لتأسيس هذه المنظمة، ومن هنا بدأت صلة صداقة حميمة مع المؤسس الراحل وعدة أصدقاء آخرين من بلدان عديدة، ومن هنا كانت بدايتي مع المنظمة.
س: ماذا قدمتم من اعمال خلال عملكم في هذه المنظمة ؟
ج: للمنظمة أعضاء آخرين في البحرين على رأسهم معالي الشيخ راشد بن خليفة آل خليفة والمصور الفنان الأستاذ حسين علي والتشكيلي علي المحميد والآثاري عبد الرحمن سعود مسامح والإعلامية ليلى الحدي والأستاذ خالد السندي والدكتور خلدون أبا حسين وآخرون وللمنظمة فرع في البحرين تديره باقتدار المحامية هنادي الجودر. ووفد البحرين من أنشط الوفود التي تشارك في مؤتمرات المنظمة الدورية، وقد أقامت المنظمة بالتعاون مع وزارة الإعلام البحرينية في الأعوام 2008 ، 2009 مهرجان البحرين الدولي للفنون الشعبية الأول والثاني برعاية الأستاذ جهاد بوكمال وبدعم من الأستاذ حمد بن علي المناعي، وحظيا بجمهور عريض، وهما من أنجح المهرجانات التي شاركت بهما فرق من مختلف بلدان العالم وظل تلفزيون البحرين يعيد وصلات من رقصات الشعوب المشاركة بطلبات من الجمهور.
وفي العام 2007 بمؤتمر المنظمة بمدينة فولوس اليونانية تم انتخاب البحرين لتكون مقرا إقليميا لقيادة فروع المنظمة بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وانتخبت أمينا عاما مساعدا لهذا الإقليم ، وقد أدارت الكفاءات البحرينية فروع المنظمة بهذا الإقليم بنجاح وساعدت في تأسيس فروع جديدة بالإقليم في موريتانيا والأردن والعراق وقطر والإمارات وعمان والمغرب واستعادت نشاط فرع السودان.
كما احتضنت البحرين أحد اجتماعات مجلس إدارة المنظمة في ديسمبر 2008 وتشرف أعضاء مجلس الإدارة بالسلام على جلالة ملك مملكة البحرين وتبادل جلالته مكاتبات مع سعادة رئيسة المنظمة وقتها الدكتورة الفلبينية كارمن بديلا مرحبا جلالته بأنشطة المنظمة في البلاد. وتعاونت المنظمة مع المجلة العلمية البحرينية المتخصصة “الثقافة الشعبية” عام 2013 لتنظيم مؤتمر علمي دولي حول التراث الشعبي والعولمة شارك به علماء من 32 بلدا أقيم بمركز عيسى الثقافي، وتسهم المنظمة في توزيع مجلة الثقافة الشعبية في 161 بلدا من بلدان العلم.
في كل المؤتمرات التي شاركت بها كنت أقدم تقارير فنية وعلمية وإدارية تعبر عن تطور رؤية البحرين حول الثقافة الشعبية ومستويات العمل الرسمي وغير الرسمي بها مؤكدا على أن البحرين بلد الانفتاح والقبول بالآخر وعلى مدى قرون استقبلت البحرين بحرية وانفتاح فنون الشعوب الوافدة من البعيد والجوار وتأقلمت معها وصهرت بعضها واعتبرتها فنونها بأريحية لا حد لها فكان ذلك مثار إعجاب وتقدير المشاركين من مختلف بلدان العالم، مما هيأ البحرين لأن تكون محط أنظار قيادات المنظمة لأن تتبوأ مراكز متقدمة لخدمة تراث الإنسانية.
س: كيف كان اشتغالكم على فكرة الترشح لرئاسة المنظمة الدولية للفن الشعبي ؟
ج: في مؤتمر المنظمة الثامن بمدينة فولس اليونانية عام 2007 انتخبت بترشيح من قبل اليونان وبلجيكا واليابان لتولي مهام الأمين العام المساعد لإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتأسيس مكتب إقليمي في المنامة لإدارة فروع المنظمة بهذا الإقليم، وبدعم من معالي الشيخ خالد بن أحمد بن محمد وزير الخارجية تم تأسيس المكتب الذي تولى إدارة الإقليم بنجاح ملفت بفضل القدرات التي تتمتع بها الكفاءات البحرينية. وفي مؤتمر المنظمة التاسع ببراغ بالتشيك عام 2012 رشحت من قبل النمسا والهند وأمريكا وفرنسا لرئاسة المنظمة فكانت مفاجأة لي حينها حيث تم ذلك دون ترتيب واستعداد مني فاعتذرت لكني انتخبت بالاجماع نائبا للرئيس. ومن بعد هذا الاجتماع ولتسارع ظروف عديدة مرت بها المنظمة عرضت علي دول الاتحاد الأوروبي الدعم للاشتغال على رئاسة المنظمة للدورة التالية فاشترطت أن تتم معاونتي على إعداد خطة عمل أساسها رؤيتي الشخصية كمؤسس لتطوير المنظمة وإعادة هيكلة فروعها القارية في أوربا الشرقية وأفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية والاهتمام بقطاع الشباب وتنمية الموارد المالية وتعزيز البحوث العلمية ودعم الحفاظ على فنون وحرف الدول الفقيرة والعناية بتراث المهجرين واللاجئين نتيجة الحروب وتكريم الرواد وإبراز دورهم. حقيقة كان دعم دول الاتحاد الأوربي قويا ورائعا وفي غاية التنظيم فقد تم تشكيل فريق من تسعة خبراء أوروبيين في مختلف التخصصات لتحويل هذه الرؤى الشخصية إلى خطة عمل واضحة المعالم بعنوان “حان الوقت للتغيير” وقد استغرق وضع الخطة ومناقشة تفاصيلها ما يقرب من ستة أشهر عقد الفريق خلالها ستة اجتماعات في هولندا ، النمسا ، إيطاليا، بلجيكا وهنغاريا. كانت أغلب الرؤى متفق عليها والبعض منها يحتاج إلى التغيير في اللوائح والأنظمة التي مضى على وضعها سنوات عديدة بحيث ما عادت تصلح للتكيف مع المتغيرات التي ترسمها الخطة الجديدة، مما استدعى الاستعانة بخبير في القانون الدولي من فرع المنظمة في أمريكا، وكان علي أن أهيء بلادي لهذا الحدث فتم استئذان سيدي صاحب الجلالة الملك المفدى بالمضي في الترشح لمنصب الرئاسة وتم إبلاغ وزارة الخارجية البحرينية وكبار المسئولين في الدولة وقد حظيت الفكرة بالترحيب.
اشتغلنا في البحرين من بعد وضع الخطة في نصها النهائي على ترجمتها إلى ثمان لغات هي : الإنجليزية ، الفرنسية ، الألمانية ، الإسبانية ، الروسية ، الصينية والإيطالية إلى جانب العربية ومن ثم طباعتها في كتيب أنيق. وقد تم إرسال الخطة بالبريد الإلكتروني إلى كل أعضاء المنظمة قبل أسبوع من المؤتمر ووزع كتيب الخطة المطبوع في المؤتمر فنالت الخطة مناقشات عاصفة وحوارات جانبية عديدة لجرأة ما بها من رؤى وأفكار تقدم للمنظمة للمرة الأولى وتطال بالتعديل والتغيير بعض الجوانب اللازمة للانتقال من مرحلة إلى أخرى، إلا أنها فازت في المؤتمر بالموافقة بعد تعديلات شكلية طفيفة.
س: بعد تحقق هذا الانجاز، ماذا بعد؟ وما المختلف من حيث الرؤى والاستراتيجيات والمشاريع والأفكار التي سيضعها رئيس المنظمة الشاعر علي عبدالله خليفة لإدارة تكون فيها المنظمة مغايرة عن سابقتها؟
– المنظمات والهيئات ككل شيء في هذه الحياة، تترهل وتشيخ ويتغير من حولها الزمن، لذلك تحتاج إلى غربلة وصنفرة وإعادة بعث جديد. لدي خطة عمل واضحة المعالم محددة بزمن معين، علي أن أحولها إلى مشاريع وبرامج وأستقطب العالم كله لدعم تنفيذ هذه البرامج كل في نطاقه وحسب امكانياته. من المهم تأسيس المقر الرئاسي للمنظمة في البحرين وأطلب عون القيادة البحرينية لتحقيق ذلك بمستوى يليق بمملكة البحرين وتقديم ما يمكن من تسهيلات لإنجاح العمل خلال السنوات الأربع القادمة.
في كل مهمة أتولاها أثابر بجلد وأصر على النجاح مهما كانت الظروف، المنظمة بحاجة إلى تمكينها ماديا من تحقيق أهدافها وهناك مجموعة من الداعمين، دول ومؤسسات وشركات عالمية وشخصيات اعتبارية. وسأعمل على رفع الكفاءة المالية للمنظمة لتكون أفضل وذلك بعدة وسائل جديدة. ويهمني تقوية دور المجموعة العربية في المنظمة لتشكل كتلة مؤثرة وقوية كما هي دول الاتحاد الأوروبي حاليا. ولدي قطاع عريض من الشباب بقيادات اسكندنافية ممتازة لا بد من تهيئـته لتولي مهام رئيسية لإدخال دم جديد وروح جديدة إلى المنظمة، كما يهمني العمل على رعاية فنون الدول الأفريقية الفقيرة وإبرازها وفسح المجالات أمامها كباقي الدول وإعادة تنظيم مهرجانات فنون الرقص الشعبي العالمية والتعاون مع دول الخليج لتشجيع إقامة معارض الحرف والصناعات التقليدية واقتراح ربط هذه الحرف الصغيرة بخطط التنمية الاقتصادية بكل بلد.
أريد أن تكون البحرين القلب النابض بالفنون والعقل المدبر الجدير بقيادة العالم. الأحلام كثيرة إلا أن العمل والإنجاز هو المحك، والبحرين بمستوى التحدي وهي جديرة بكل منجز.
س: لقد كان جميلا أن تفوز العاصمة البحرينية المنامة بالمقر الرئاسي للمنظمة، فما الذي يفترض أن تقدمه دولة المقر الرئاسي للمنظمة عندما يتم اختيارها ؟
ج: على مدى السنوات الماضية كان المقر الرئاسي على التوالي في النمسا وتونس والفلبين، وكانت هذه الدول تتبارى في كسب المقر الرئاسي بها وتعمل على تقديم مختلف التسهيلات للمقر كمرتكز كوني لهيئة دولية عالمية. وأذكر لما كان المقر الرئاسي في النمسا تم الاحتفال حين تدشينه بحضور رئيس جمهورية النمسا وقتها السيد كورت فالدهايم الذي حملني سلاما خاصا إلى سمو الأمير الراحل طيب الله ثراه، وفي تونس حين انتخاب البروفيسور صالح المهدي رئيسا للمنظمة كان افتتاح المكتب الرئاسي للمنظمة في مدينة المونيستير يوم عيد ميلاد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة وبحضوره الشخصي، ولم تكن الفلبين أقل شأنا في التشبث بالمقر لدورتين متتاليتين وبتقديم مختلف التسهيلات على أعلى المستويات التي رفعت من مكانة الفلبين بين الأمم في اليونسكو. وأرى بأن رؤية البحرين كدولة مقر رئاسي للمنظمة لن تكون أقل من ذلك في العهد الزاهر لحضرة سيدي صاحب الجلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه.
س: كيف جرت الانتخابات ؟ خصوصاً وان الدول المنافسة كان لها ثقلها الثقافي وتراثها الشاسع وذلك العمق الحضاري التي تعرف به، كالصين والفلبين تحديدا ؟
ج: كان جو الانتخابات عاصفا ومليئا كأي انتخاب بالتحالفات وتغيير المواقف لحسابات محلية وإقليمية. وكانت الفلبين التي ترأس المنظمة لدورتين راغبة في استمرار قيادة المنظمة بدعم من كوريا ودول شرق آسيا، كما أن الصين تشتغل منذ مدة على فروع المنظمة بقارة آسيا وأفريقيا لدعمها. كانت بعض الدول في تذبذب غير أن البحرين ضمنت كل دول الاتحاد الأوروبي ودول الشرق الأوسط وعدد من دول أمريكا اللاتينية ولعبت وفود السعودية ومصر وقطر والكويت والمغرب والجزائر وتونس أدوارا مؤثرة في الترويج لرئاسة البحرين واستقطاب أصوات الناخبين، فكان فوز البحرين برئاسة المنظمة كاسحا.
س: هذا عمل كبير ومتشعب ويشمل خبراء التراث الشعبي العالميين الأعضاء في المنظمة إلى جانب الأفراد المهتمين والمناصرين وكل فرق الفنون الشعبية الكبيرة والصغيرة في جميع أنحاء العالم، كيف ستتسنى لكم إدارة هذه المنظمة وتسييرها من المقر الرئاسي في البحرين ؟
– بالتأكيد ليس الأمر سهلا ويحتاج إلى حنكة إدارية وخبرة حياتية في فن التعامل مع مختلف الأجناس والأقوام والديانات واللغات وأمزجة الشعوب، لكن لدينا في المنظمة آلية مجربة وناجحة وسأعمل على تطويرها لتكون أكثر فاعلية، وهي اعتماد التقسيم القاري لمناطق العالم، فلكل قارة يعين أمين عام مساعد، وتقسم كل قارة إلى أقاليم ولكل إقليم يعين مدير عام وبكل إقليم مجموعة من الدول وبكل دولة يوجد فرع للمنظمة وافقت على تأسيسه السلطة المحلية مؤلف من أفراد وفرق شعبية يرأسه عضو محلي ينتخب من قبل أعضاء المنظمة المحليين. لرئيس المنظمة نائبين للرئيس من قارتين مختلفتين وأمين عام من قارة مختلفة أخرى وأمين مالي وسكرتير يتم انتخابهم جميعا من قبل الجمعية العمومية ليتولوا بقيادة الرئيس هذه الشبكة العالمية العنقودية فيسهل بذلك تقسيم المهام وتوزيع الصلاحيات، وتعقد الاجتماعات والمتابعات بصفة دورية عبر قنوات التواصل الفضائية والدورات الإلكترونية العالمية المغلقة.
س: ختاماً، ولمن لا يعرف مضمون اشتغال المنظمة، هل يمكن أن تضعنا في المفاصل الرئيسة التي تُعنى بها ؟ وما الذي يعنيه مصطلح “التراث الثقافي المادي” و”التراث الثقافي غير المادي” اللذين يتكرر ذكرهما عند الحديث عن التراث الشعبي ؟
ج: هذان مصطلحان مستحدثان من قبل منظمة اليونسكو للتفريق بين ما هو محسوس ومدرك بالعاطفة وبين ما هو مادة ملموسة وكلاهما ينتمي إلى الثقافة الشعبية أو التراث الشعبي، فعلى سبيل المثال الحكاية الشعبية والأمثال والأشعار وكل ما يتم تناقله مشافهة أي عن طريق القول بالشفاه واللسان هو تراث ثقافي غير مادي intangible culture Heritage ويرمز له بالحروف الثلاثة الأولى من ICH، غير أن التراث الثقافي المادي هو المادة التراثية المصنعة من خشب أو نحاس أو حجر أو غيره من المواد التي يمكن لمسها وتحسسها كالطبل وكل الآلات الموسيقية في الأغاني الشعبية إلى جانب منتوج الحرف والصناعات التقليدية فهي ثقافة مادية material culture ويرمز لها بأول حرف من كل كلمة MC. وفي الحقيقة لا يمكن فصل الآلة الموسيقية عن نغمها المسموع الذي نحسه ولا نلمسه كما لا يمكن فصل هذا النغم عن النص الشعري المرافق له في الغناء ونقل هذه الآلة من سياقها الغنائي لتكون مجرد منتوج الحرف والصناعات التقليدية فقط، وأرى أن هذا الفصل غير موفق لكن اقتضته ضرورات اليونسكو لفصل إداراتها المختصة عن بعضها لضمان أن يكون للآثار على سبيل المثال وهو قطاع كبير باليونسكو كتراث مادي إدارة لا تختلط بإدارات تختص مثلا بالعادات والتقاليد والمعتقدات، وهذه وجهة نظر شخصية.
م ح
بنا 0733 جمت 27/11/2016